تُستخدم العقود المستقبلية (futures) ذات تواريخ انتهاء الصلاحية على نحوٍ واسع في ميدان العملات الرقمية، إذ أصبحت جزءًا أساسيًا ضمن ذخيرة استراتيجيات العديد من المتداولين. تعدّ العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية مشتقاتٍ مالية، أي أنّ قيمتها مُشتقّة من سعر الأصل الأساسي. فعلى سبيل المثال، عندما تشتري عقدًا مستقبليًا بعملة البيتكوين، لن تغدو العملات بحيازتك فعليًا، فأنتَ تُضارب على تقلبات سعرها المستقبلية فحسب.
أمّا عن مفهوم العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية فهو مستمد من فكرة العقود الآجلة (forward contracts). وتعدّ العقود الآجلة إحدى أقدم الأدوات المالية المُستخدمة حتى يومنا هذا. إذ تعود جذورها إلى قرونٍ مضت، عندما أراد الفلاحون والتجار التحوّط من تقلبات الأسعار. وفي يومنا هذا، لا تزال العقود الآجلة تُستخدم من قبل الشركات بهدف التحوّط. سنشرح في هذا المقال الفروقات بين العقود المستقبلية والعقود الآجلة ونناقش مزايا وعيوب كل منها.
ما هو العقد الآجل؟
العقد الآجل بالتعريف هو اتفاق يُبرم بين طرفين لشراء أصل ما مُستقبلًا بسعر مُتفق عليه اليوم. فعلى سبيل المثال، بفرض أنّ سعر وقود الطائرات اليوم هو 10 دولار للجالون. يمكن أن تُبرم إحدى شركات الطيران عقدًا آجلًا مع شركة تزويد وقود الطائرات لشراء كمية معينة من الوقود بسعر 11 دولار للجالون بعد ستة (6) أشهر من الآن.
في السيناريو أعلاه، يُمثّل السعر الحالي البالغ 10 دولار للجالون سعر التداول الفوريّ، أمّا القيمة البالغة 11 دولارًا للجالون فتُمثّل السعر المستقبلي. وخلال الأشهر الستة (6) القادمة، قد يشهد سعر وقود الطائرات ارتفاعًا أو انخفاضًا. فإذا ارتفع السعر ليصبح 12 دولار في غضون الأشهر الستة (6)، ستتمكّن شركة الطيران من شرائه بسعر 11 دولارًا للجالون، وبالتالي ستحصل على سعرٍ مُخفّض مقارنةً بالسعر الفعلي. أمّا إذا انخفض السعر إلى 9 دولار للجالون، فستُلزم شركة الطيران بدفع 10 دولار وليس 9 للوفاء بشروط عقدها الآجل. والآن دعونا نناقش آلية تنفيذ هذا النوع من المعاملات.
ما آلية عمل سوق العقود الآجلة
يمتاز سوق العقود الآجلة بكونه قابلًا للتخصيص. إذ يمكن لأي طرفين الدخول في عقد آجل. كما يمكنهم الاتفاق على الأصل الأساسي الذي يرغبون بتبادله. ناهيك عن قدرة كلا الطرفين على تحديد سعره وتحديد تاريخ التسوية أو تاريخ انتهاء صلاحية العقد.
يتم التداول في سوق العقود الآجلة على نحوٍ مباشر (OTC) دون استخدام منصة تداول. أي أنّ العقود تتم على نحوٍ خاص بين الطرفين، وليس عبر منصة تداول عملات رقمية. وبالتالي فهي غير خاضعة لسطة تنظيمية تعود لطرفٍ ثالث (خارجيّ). ويكون الطرفان ملزمين بالعقد، وهو مُلزِم وقابل للإنفاذ من الناحية القانونية.
مزايا العقود الآجلة
توفّر العقود الآجلة العديد من المزايا للأشخاص الراغبين في التحوّط لمواجهة تقلبات أسعار الأصول مُستقبلًا.
ولعلّ الميزة الأولى تكمن في كون طرفيّ العقد غير مُلزمين بدفع مبلغ مُقدمًا لدخول العقد.
أمّا الميزة الثانية فهي كون العقد قابلًا للتخصيص، بمعنى أنّه يمكن لطرفي العقد تحديد كل من الأصل الأساسي الراغبين في تداوله وسعر تسوية العقد.
والميزة الثالثة هي أنّ تنفيذ العقد يتم على نحوٍ مباشر (OTC). الأمر الذي يمنح العقود الآجلة درجة عالية من الخصوصية.
عيوب العقود الآجلة
لعلّ العيب الأوّل هو أنّ العقود الآجلة تنطوي على درجة عالية من المخاطر المُتعلّقة بالطرف المقابل. الأمر المُتمثّل باحتمالية تخلّف أي من الطرفين عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية.
أمّا العيب الثاني فهو أنّ العقود الآجلة ذات سيولة منخفضة جدًا. إذ يميل عدد قليل جدًا من المشترين والبائعين إلى شراء هذا النوع من العقود. ممّا قد يجعل من الصعب على الطرفين المشاركين في العقد الآجل إنهاء التزاماتهم بسهولة للخروج منه.
ما هي العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية؟
العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية عبارة عن عقود معياريّة موحّدة يتم تداولها ضمن منصة التداول وتتم تسويتها يوميًا. يمكن للمتداولين استخدام العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية لفتح صفقات شراء (Long) أو بيع (Short) استنادًا إلى توقعات أسعار الأصل الأساسي. لنتعمّق بمعنى ذلك من خلال مناقشة كيفية عمل سوق العقود المستقبلية.
آلية عمل سوق العقود المستقبلية
تتميز العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية بكونها معياريّة موحّدة. بمعنى أنّ كل من الأصل الأساسي وحجم العقد والسعر وتاريخ التسوية مُحدّد مُسبقًا.
ويتم تداول العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية ضمن منصات تداول العملات الرقمية. الأمر الذي يمنحها سيولة عالية. ولكن مع ذلك لا يتعامل المشترون والبائعون مع العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية مباشرةً على هذه المنصات. إذ تلعب دار المقاصّة (شركة خدمات مالية توفّر خدمات من شأنها ضمان سير الصفقة من بدايتها إلى نهايتها بسلاسة) دور الوسيط بين البائع والمشتري.
فلإنجاز صفقة تداول، يُقدّم كل من البائع والمشتري تفاصيل صفقاتهما إلى دار المقاصّة. لتقوم دار المقاصّة بالتحقق من تفاصيل كل طرف وتيّسر عمليات التسوية. الأمر الذي يضمن أداءً جيدًا للعقد ويُلغي مخاطر الطرف المقابل.
كما تفرض دار المقاصّة متطلبات الهامش على كل صفقة تداول. ويشير الهامش إلى المبلغ الابتدائي ومبلغ الوقاية الذي يجب على المتداولين إيداعه لتعويض خسائر العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية. إذ يجب على الأطراف في العقود المستقبلية الحفاظ على حد أدنى من الرصيد يُحدّد بناءً على سعر وحجم صفقتهم. فإذا انخفض الرصيد إلى ما دون هذا المبلغ، ستتلقى الأطراف نداء هامش لإضافة أموال إلى رصيدهم حفاظًا على الصفقة من خطر التصفية. وفي حال عدم الاستجابة لنداء الهامش، ستُغلق الصفقة تلقائيًا ويتم إنهاء العقد.
مزايا العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية
توفّر العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية العديد من المزايا للأشخاص الذين يتطلعون للتحوّط أو المضاربة على أسعار الأصول مُستقبلًا.
ولعلّ الميزة الأولى تكمن في كون هذه العقود معياريّة موحّدة. ما يعني أن تكاليف الأصل الأساسي وفترات التسوية متاحة للاطّلاع عليها للعموم، ممّا يجعلها أكثر شفافية، ويساهم في إنشاء بيئة تداول أكثر عدالة.
أمّا الميزة الثانية فهي أنّ دور المقاصّة تُسهّل من إجراءات تنفيذ العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية. وهذا ما يُقلّل من مخاطر الطرف المقابل ويضمن أن صفقات التداول تتم وفقًا للشروط المُحدّدة في العقد.
أمّا عن الميزة الثالثة للعقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية، فهي أنّها عالية السيولة. وبالتالي يمكن للمشاركين الخروج من صفقاتهم بسرعة إذا سارت الأمور في اتجاه مختلف عن توقعاتهم.
عيوب العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية
لعلّ العيب الأوّل في العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية هو التكاليف والرسوم المُتضمنة. إذ تعدّ هذه العقود مُكلفة، ذلك لأنّ عمليات التسوية اليومية للفروق بين الحسابات قد تتسبب في ظهور رسوم معاملات إضافية.
أمّا العيب الثاني فهو أنّها غير قابلة للتخصيص. بمعنى أنّ المتداولين مقيدون بمجموعة من الأصول الأساسية تُحدّدها المنصة. كما ليس لهم الحق في تحديد حجم العقد والسعر والرسوم.
أي نوع من العقود يعدّ الأفضل؟
إليك الاختلافات الرئيسية بين العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية والعقود الآجلة كخلاصة:
تتم العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية ضمن منصة تداول عملات رقمية. إذ تُحدّد المنصة كل من السعر والحجم والأصل الأساسي. في حين تتم العقود الآجلة على نحوٍ مباشر (OTC) دون استخدام منصة تداول. بمعنى أنّها اتفاقيات خاصّة تُبرم مباشرةً بين طرفين. يتفق هذان الطرفان على السعر والحجم والأصل الأساسي.
كما تتطلّب العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية وجود هامش ابتدائي وهامش وقاية لفتح صفقة. وتيسّر دار المقاصّة عمليات التسوية اليومية للحسابات بين المشترين والبائعين، ممّا يُقلّل من مخاطر الطرف المقابل. في حين لا تتطلّب العقود الآجلة دفع أي أموال مُقدمًا. إذ يتبادل الطرفان المال في نهاية العقد أو بحلول تاريخ التسوية فقط، وهنا تحديدًا تكمن مخاطر الطرف المقابل الكبيرة لديها.
الأسئلة الشائعة
ما الفرق بين سوق العقود الآجلة وسوق العقود المستقبلية؟
يتم التداول في سوق العقود الآجلة على نحوٍ مباشر (OTC). فهي خاصّة وغير خاضعة لسلطة تنظيمية تابعة لطرف ثالث (خارجي). في حين يتم التداول في سوق العقود المستقبلية على منصة تداول عملات رقمية، إذ تُيسّر دار المقاصّة إجراءات صفقات التداول. ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا، تخضع منصات تداول العملات الرقمية لتنظيم هيئة تداول السلع الآجلة (CFTC) أو هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC).
ما مزايا العقود الآجلة مقارنةً بالعقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية؟
قد يفضّل المتداولون العقود الآجلة على العقود المستقبلية ذات تواريخ انتهاء الصلاحية لأنها مشتقات مالية ذات تكاليف أرخص لحيازتها والحفاظ عليها. ولعلّها الأداة المالية الأفضل عندما يريد المتداول استلام سلعة عينية ما.
ما الفرق بين العقود الآجلة وعقود الخيارات؟
تعدّ كلًا من العقود الآجلة وعقود الخيارات مشتقات مالية تُستخدم للتحوّط أو المضاربة. يُلزم العقد الآجل المتداول بتنفيذ شروط الاتفاق. في حين تمنح عقود الخيارات للمتداول الحق وليس الالتزام بتنفيذ شروط العقد.
© 2024 OKX. يجوز إعادة إنتاج هذه المقالة أو توزيعها بالكامل، أو يجوز استخدام مقتطفات من 100 كلمة أو أقل من هذه المقالة، شريطة أن يكون هذا الاستخدام لأغراض غير تجارية. يجب أيضًا أن تنص أي إعادة إنتاج أو توزيع للمقالة بالكامل بوضوح على ما يلي: "هذه المقالة تحمل حقوق الطبع والنشر © 2024 OKX ويجب استخدامها بإذن." ويجب أن تشير المقتطفات المسموح بها إلى اسم المقالة وتتضمن إسنادًا، على سبيل المثال "اسم المقالة، و[اسم المؤلف إن أمكن]، و© 2024 OKX." ولا يُسمح بأية أعمال مشتقة أو استخدامات أخرى لهذه المقالة.